الجمعة، 12 يوليو 2013

بانتظار البصيرة !

أتَذَكَرُ عندما عُدت لشارع مدرستى الأولى بعد أكثر من خمسة عشر عامًا, كم صُدِمتُ لرؤيتهِ ضيقًا إلى هذا الحد!
كانت أول مرة أرى شارعًا يصغر, لأنه فى الحين الذى كنت أكبر أنا فيه كانت الدُنيا بأكملها تدبو لى أكبر, أنتقل من مدرسة لأخرى أكبر, و انتقلنا مرتين من بيتٍ لآخر أكبر فأكبر, و طموحى تعدى مدينتى الصغيرة فرُحت إلى القاهرة لأجدها جدًا أكبر, و عندما جئت إلى أوروبا..., آه, لن يتوقف هذا العبث أبدًا. فالسماء تبدو فوقى و كأنها الأكبر ولا حدود لها و لازال يبدو أنه هناك ما بعدها.
لم يبدُ لى أن أى شئ سينتظرنى حتى أكبُر أنا وحدى وأرى كل شئ على حاله, إلى أن رأيت شارع المدرسة.
للحق, أنصفنى !
عندما تمنيت على العالم فقط أن يتوقف عن التوسع الشاهق حتى أجد الوقت لأراه فلا يبدو لى و كأنه يلتهمنى, كان هذا الشارع يفعل أكثر.
لم يبق فقط على حاله, بل أضحى صغيرًا جدًا.
استطعت بنظرة واحده أن أطويه داخل عينى و أغلقهما عليه, دكاكينه الضيقة, أطفاله و يبدون كأقزام, عواميد الإنارة القصيرة, كله حتى آخره, طويته بلا عناء!
...
عندما أكبر جدًا..
سأتوقف عن ملاحقة الأشياء و الطرقات..
عندما لا أهتم لها, ستتوقف -لا شك- عن هذا التوحش و سأطويها داخلى بلا عناء..
عندما أكبر جدًا..
سأصبح مثل جدين..
كانا شبابًا معًا..
يلاحقون الطرقات..
و لا يملوا أبدًا..
حتى كبروا جدًا..
و توقفوا عن الملاحقة..
توقف العالم عن التضخم..
و جلسوا ليسترجعوا ما احتوته أرواحهم يومًا..
عندما أكبر جدًا..
سأجلس على كرسى خشبى..
ربما وحدى..
فوقى غسيل أحدهم..
مُعلق على حبالٍ مشدودة باحتراف..
يضرب و الهواء بعضهم بعضًا..
لن يهم أين سأجلس..
لكن المهم أننى سأستقر..
سيكون العالم بأكمله قد طُوِىَ داخل عينى..
سأتوقف عن النظر..


و سأرى فقط بذاكرةِ القلب !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق